
لأن السلطان، دائماً، يُحِبُّ أن يري القضاء تابعاً مقيداً خاضعاً؛ والقضاة يدافعون عن استقلالهم الذي لا تشرق شمس الحرية ولا يطيب هواؤها إلا في ظله. وهذا الكتاب يقول إن الأزمة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية لا يجوز أن تعالج من جانب الأخيرة بالاستعلاء والكبر والتحدي، ولا بالإهمال والإغفال. إنما تعالج هذه الأزمة بالنزول علي حق الشعب في أن يكون له قضاؤه المستقل الذي يؤدي إلي الناس العدل ويقيم بينهم النَّصَفَةَ. والأزمة الحالية للقضاء تطورت حتي وصلت إلي محاكمة قاضيين جليلين، نائبين لرئيس محكمة النقض، فتضمن الكتاب توثيقاً كاملاً للمحاكمة والحكم الصادر فيها؛ وختمت بالجدل الذي امتد إلي كل بيت وكل منتدي في مصر حول مشروع قانون تعديل السلطة القضائية الذي كان مأمولاً أن يحقق استقلال القضاء، ويستجيب لمطالب القضاة؛ ففعل بعض ذلك وأعرض عن بعض. وكان الذي أعرض عنه أضعاف الذي حققه. وفصول هذا الكتاب لم تكتب للتاريخ وحده، وإنما كتبت لتعرف أجيال القضاة الآتية بعدنا كيف كان صنيع أسلافهم: جهاداً لنيل استقلالهم، ودفاعاً عن حرمات السلطة القضائية التي ينتسبون إليها ويقدسون العدل وحده في محرابها