
وهو ما يغني عن كتابة نصّ طويل أو مطوّل (..) فيوسف ينتمي لطينة من المبدعين الذين اختاروا تكثيف المعنى حتّى يصير شيئا من الحكمة، أمثال محمّد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وعلي برزنجي، ويوسف زروقة وعمّار مرياش.. ممن يبحثون عن رحيق اللغة في عصير المعنى. يكتبون شيئا هو بمثابة كيمياء الشعر والنثر معًا، وهذا لا يتأتّى إلاّ من تخلّصوا من الرداء ذي اللون الواحد، لينتجوا رداء جميلاً بألوان شتّى. هكذا قرأت نصوص يوسف الجميلة جدّا.
إنّ رسائل العاصفة القصيرة، تتجه نحو الآخر، وهذا الآخر هو أنثى قبل أن تكون امرأة لا غير، أراد يوسف أن يلخّص فيها كلّ رسائله، بأرقى ما تحمله لغته، ورؤيته، وهواجسه، إنّه يحمّلها ما لا تحتمله الأنثى، ولا يخفى ألمه ولو كان رجلاً تشدّه الطفولة إلى الوراء.
يبدع يوسف في كثير من نصوصه، فيقول:
تعرّف الأساطير الكسوفَ بالقول:
هو استحياء الشمس
من جمال القمر
وهي صورة تتجاوز التفسير العلمي لظاهرة كونيّة، لكنّ يوسف لا يحتاج إلى آلاف الكتابات في موضوع الكسوف والخسوف، ليقول إنّ المسألة لا تتعدّى استحياء الشمس من جمال القمر، ويحيل بذكاء قراءته للأساطير. وفي نص آخر يقول:
مسكين مخترع المحمول
ساعة رضاك أراه ملاكا
وساعة السخط أراه شيطانا
عجبا لحبك
يشيطن الملائكة.. ويُمَلْكن الشياطين.
وهي حالة، جعلت من هذا الجهاز التكنولوجي الخارق، قادرًا، وهو في حجم علبة الكبريت، على تغيير مشاعر النّاس، إذ قد يكون سببا في تدمير علاقة بين عاشقين، أو إشاعة فرحة بين متنافرين، أو يبقى مجرّد آلة تؤدّي وظيفة التواصل بين الأفراد.
إنّ هذه النصوص التي أنتجها يوسف، هي إضافة نوعيّة في النصّ الذي نريده للعربيّة، ليس فيه إسفاف ولا تنطّع ولا ابتداع، لكنّه حالات إنسانيّة عميقة، وجدت اليد التي نجحت في صياغتها بطريقة تكفل لها الانسياب إلى العقل والوجدان، بكثير من ملح اللغة الخالية من الصنعة المملّة، أو البحث عن حداثة جوفاء تدين صاحبها بالعجز..
أهنّئ يوسف بعلوج بهذه النصوص الناضجة جدّا، آملاً أن تجد طريقها إلى أوسع شريحة من قراء الشعر والنثر معًا، وله الحقّ أن يتبوّأ بها موقعه المتقدّم في مشهد الكتابة المفيدة لدى قرّاء العربيّة في الجزائر وعلى امتداد الوطن العربي. ومزيدًا من الرسائل للعواصف والأعاصير ولو كانت.. مدمّرة.