كتاب ورد ورماد: رسائل

محمد شكري

الأدب

أول مرة تعرفت فيها على محمد شكري، حين التقيته خلال عطلة صيف 1972 بشارع باستور بطنجة... كنت قد قرأت له نصوصاً بمجلة "الآداب" وسمعت أخباراً مليئة بالمبالغات عن حياته الخاصة. تواعدنا على اللقاء في المساء، ولفت نظري خلال محادثتنا

  التي امتدت الى ساعة متأخرة من تلك الليلة، أن شكري أبعد ما يكون عن الصورة التي يرسمها له المعجبون: كان رزيناً في حواره، عقلانياً في حججه، جريئاً في طروحاته ونقده لما يقرأ. لم يكن مشدوداً الى "أسطورة" ماضيه، بل كان مفتح العينين على حاضره، يعيش أقرب ما يكون الى الواقع المعقد المتسارع في تحولاته. منذ ذلك اللقاء، أخذت أواصر الصداقة تنتسج بيننا واقتنعت بأن تجربة شكري في الحياة والكتابة تستحق أن تعرف وأن تقرأ لأنها تمتح من نسوخ غير مألوفة في كتابات وتجارب زملائنا الآخرين. الأهم من كل ذلك، أن الحوار امتد بيني وبين شكري خلال اللقاءات ثم عبر الرسائل لأنني وجدت فيه محاوراً قريباً الى النفس، متصفاً بالتلقائية والصراحة. وكان يخيل إليّ، ولعلي كنت مخطئاً، أن شكري يحتاج الى من يذكره بضرورة الاستمرار في الكتابة لمقاومة تفاهة المحيط الذي كان يعيش فيه. لكنني، وأنا أعيد قراءة الرسائل الآن، وجدت أن إلحاحاتي هي أيضاً نوع من التذكير لنفسي بأن الكتابة أهم من النشاطات السياسية والثقافية التي كنت مشدوداً إليها… وأظن أن كتابة الرسائل تستجيب للحظات جد حميمية نستشعر فيها رغبة البوح والمكاشفة والتفكير بصوت مرتفع. وللأسف أن تقالدينا في المراسلات بين الأصدقاء المبدعين قليلة إن لم تكن منعدمة. من ثم وجدت، ومعي الصديق شكري، أن نشر هذه الرسائل التي امتدت ما بين 1975 و 1994 قد تكون مضيئة لبعض التفاصيل التي التقطتها الرسائل وهي في حالة مخاض، وقد ترسم ملامح أخرى لا يتسع لها النص الإبداعي. نأمل أن يجد القارئ في رسائل الورد والرماد هذه ما يثير لديه التواطؤ نفسه الذي تتدثر به هذه الرسائل والبطاقات المكتوبة وسط الدوامة بانفعال واندفاع وتلقائية. وقد لا يكون الورد وحده جميلاً، جذاباً، فالرماد أيضاً ينطوي على جراحات وانطفاءات لا تخلو من روق وصدق وافتتان بالموت  

 

شارك الكتاب مع اصدقائك